أخبار
إعلانات الوصفات الطبية.. البوابة الخلفية لتجارة المخدرات المقنّعة

متابعة/ مروان محمد
في الوقت الذي تنفق فيه شركات الأدوية العالمية مليارات الدولارات على الأبحاث لاكتشاف علاج واحد لمرض مستعصٍ مثل السرطان أو الزهايمر أو السكري، يظهر فجأة شخص على شاشة التليفزيون أو في إعلان ممول على “فيسبوك”، مرتديًا بالطو أبيض ونبرة واثقة، ليخبر البسطاء أن لديه “الوصفة السحرية” التي تعالج كل ما عجز عنه الطب الحديث!
تلك الظاهرة لم تعد مجرد “نصب” تقليدي، بل تحولت إلى سوق سرية لترويج عقاقير مجهولة المصدر، يدخل في تركيب بعضها مواد مدرجة على جداول المخدرات، ليجد المواطن نفسه ضحية إعلان جذاب تحول إلى كارثة صحية وجنائية.
البوابة الخلفية لتجارة السموم
المشهد مألوف: إعلان يقتحم شاشة التليفزيون أو يتصدر “فيسبوك” و”يوتيوب”، يظهر فيه “دكتور مجهول” أو شخص يُقدَّم بصفته “خبير أعشاب”، يَعِدُ بعلاج شامل: من آلام المفاصل حتى الاكتئاب، ومن السرطان حتى السمنة، وكل ذلك بـ”وصفة طبيعية” مضمونة 100%.
لكن الحقيقة أخطر بكثير، فمعظم هذه الوصفات تحتوي على مواد كيميائية محظورة، بعضها يندرج تحت قانون المخدرات، أو مواد مجهولة المصدر قد تؤدي إلى تليف الكبد أو فشل كلوي أو جلطات.
مصدر أمني أكد أن هذه الإعلانات تحولت إلى غطاء مثالي لغسل الأموال وتجارة العقاقير، حيث يتم استيراد بودرات ومركبات مجهولة من أسواق آسيا وأفريقيا، وإعادة تعبئتها محليًا في عبوات “مكملات غذائية” تُطرح بجرأة في السوق عبر قنوات قانونية وشبه قانونية.
الفقر والمرض والجهل.. مثلث الاستهداف
الفئات المستهدفة دائمًا هم الأبسط والأكثر ضعفًا:
•مريض فقير لا يملك ثمن كشف طبي.
•عجوز يتألم من آلام المفاصل ويبحث عن راحة سريعة.
•أم تبحث عن علاج سحري لابنها المريض.
هؤلاء يجدون أنفسهم أمام إعلان يَعِدُ بالشفاء السريع مقابل ثمن “رمزي” أو “عرض خاص”، فيقعون في الفخ.
الإعلانات تلعب على وتر الجهل الطبي، حيث يُستخدم مزيج من المصطلحات العلمية المبهمة: “خلاصة طبيعية”، “تركيبة نادرة”، “أحدث ما توصل إليه العلم”. وفي النهاية، لا أحد يعرف ما الذي يدخل فعلاً في تلك الأقراص أو الزجاجات.
أبحاث عالمية مقابل وصفة عشوائية
المفارقة الصادمة أن شركات الأدوية العالمية تنفق أكثر من 200 مليار دولار سنويًا على الأبحاث والتجارب السريرية قبل اعتماد دواء واحد رسمي. بينما في مصر والعالم العربي، يستطيع شخص مجهول أن يظهر على شاشة قناة صغيرة أو إعلان ممول، ويعلن عن علاج نهائي للسرطان أو السكر أو الفيروسات بمجرد ارتداء بالطو أبيض!
هنا يتحول الوهم إلى تجارة مربحة، والضحايا بالآلاف، والدولة في النهاية تدفع فاتورة العلاج من ميزانية الصحة لعلاج الأضرار الناتجة عن هذه العقاقير.
الخطورة الجنائية والصحية
1.صحياً: هذه العقاقير تسبب مضاعفات خطيرة: تليف الكبد، التسمم الكلوي، جلطات قلبية، اضطرابات نفسية. بعض المرضى فقدوا حياتهم نتيجة استخدامها.
2.قانونياً: إدخال مواد مدرجة على جداول المخدرات في هذه الوصفات يعني أن الترويج لها يندرج تحت جريمة الاتجار في المخدرات، وليس مجرد غش تجاري.
3.اقتصادياً: هذه التجارة تُستخدم كوسيلة لـ غسيل الأموال، حيث يصعب تتبع مصدر تلك المنتجات ومكوناتها.
نماذج واقعية هزّت الرأي العام
•في 2023، ضبطت وزارة الصحة شحنة كبيرة من “مكملات غذائية” تباع في الصيدليات، تبيّن أنها تحتوي على مادة ترامادول المخدرة.
•تقرير إعلامي كشف عن صفحات على فيسبوك تبيع “روشتات علاجية جاهزة” لأمراض خطيرة مقابل تحويل مالي على “فودافون كاش”.
•حالة سيدة في المنوفية أصيبت بفشل كبدي بعد تناول دواء عشبي أعلن عنه في قناة فضائية باعتباره “العلاج النهائي لفيروس سي”.
⸻
أسئلة مفتوحة للرأي العام
•كيف يُسمح ببث إعلانات دوائية دون رقابة حقيقية؟
•من يقف وراء شبكات تهريب وإنتاج هذه العقاقير؟
•ما هي مسؤولية القنوات الفضائية ومنصات التواصل في تضليل الجمهور؟
ما يُعرض على الشاشات وصفحات الفيسبوك ليس مجرد إعلانات عادية، بل هو ألغام صحية تُزرع في أجساد البسطاء كل يوم. إنها بوابة خلفية لتجارة المخدرات المقنعة وغسيل الأموال، تستغل الفقر والمرض والجهل، وتحوّل صحة الناس إلى سوق مفتوحة للسموم.
وإذا لم تتحرك الدولة بصرامة، فنحن أمام كارثة صحية واجتماعية ستنفجر عاجلاً أم آجلاً.
⸻


