
متابعة: مروان محمد
لم تبدأ القصة بخلاف فني عميق، ولا بنقاش ثقافي جاد، بل بلحظة شاشة مشحونة، حين قررت الإعلامية ياسمين عز أن تفتح النار على الفنان الكبير محمد صبحي، على خلفية تصريحاته المتعلقة بالمملكة العربية السعودية وموسم الرياض، لتتحول المسألة من اختلاف في الرأي إلى معركة علنية عنوانها: «الزم حدودك».

ياسمين عز اتهمت محمد صبحي بمحاولة لفت الأنظار بعيدًا عن أزماته السابقة، معتبرة أن حديثه عن السعودية والفن هناك ليس بريئًا، بل محاولة لـ«الغلوشة» على واقعة السائق. وعلى الهواء مباشرة، خاطبته بلهجة حادة قائلة:
«لما تيجي تتكلم عن بلد شقيق وعظيم زي السعودية… الزم حدودك، والتزم بالآداب والأخلاق اللي طول الوقت بتنشّق بيها».
الهجوم لم يقف عند حدود التصريحات، بل امتد إلى تفتيش في تاريخه الفني.

ياسمين عز استدعت أفلامًا قديمة مثل «العبقري خمسة» و*«عبلة الهبلة»*، وتوقفت عند مشهد وصفته بـ«الساخن» جمع محمد صبحي بالفنانة الراحلة هياتم، في محاولة لتقويض صورته الأخلاقية والفنية معًا، في مشهد اعتبره كثيرون خروجًا عن أي نقاش مهني.
الأمر لم يتوقف هنا.. ياسمين عز دخلت أيضًا على خط الجدل المثار حول فيلم «الست» الذي يتناول السيرة الذاتية لكوكب الشرق أم كلثوم، بعدما انتقده محمد صبحي واعتبره جزءًا من مخطط لضرب الفن المصري.. رد ياسمين عز جاء حاسمًا: الفيلم إنتاج مصري، والهجوم عليه ـ بحسب رأيها ـ غير مبرر، واتهام السعودية أو موسم الرياض بالتآمر على الفن المصري هو خطاب مرفوض.
لكن ما فجّر الغضب الشعبي لم يكن مضمون الرد بقدر أسلوبه.
د. إيناس عبد العزيز خبيرة الأمن الرقمي
تسائلت د. إيناس عبد العزيز خبيرة الأمن الرقمي، عن تصريح ياسمين عز : «الزم حدودك».. هل تحوّل الدفاع عن السعودية إلى محاكمة لرموز الفن المصري؟ .
وقالت د. إيناس : ” لم تبدأ القصة بخلاف فني حقيقي، ولا بنقاش ثقافي يستحق المتابعة، بل بلحظة شاشة مشحونة بالصوت العالي، حين قررت الإعلامية ياسمين عز أن تفتح النار على الفنان الكبير محمد صبحي، لتتحول المسألة من اختلاف في الرأي إلى استعراض سلطوي فجّ عنوانه: «الزم حدودك».
وتابعت، وهنا يبرز السؤال الأهم: من أعطى لمذيعة، أيًا كانت، حق أن تنصّب نفسها وصية على الرموز، وحَكَمًا على التاريخ، وقاضيًا يصدر أوامر على الهواء؟ .
وأصافت: ” ياسمين عز اتهمت محمد صبحي بمحاولة لفت الأنظار بعيدًا عن أزماته السابقة، واعتبرت أن حديثه عن السعودية وموسم الرياض ليس سوى «غلوشة» على واقعة السائق، ثم خاطبته بلهجة أقرب للتوبيخ المدرسي منها للإعلام، قائلة:
«لما تيجي تتكلم عن بلد شقيق وعظيم زي السعودية… الزم حدودك، والتزم بالآداب والأخلاق اللي طول الوقت بتنشّق بيها»” .
وأشارت إلي أن خبيرة الأمن الرقمي، بإن الجملة لم تكن دفاعًا عن دولة، ولا احترامًا لمقدسات، بل إهانة صريحة لشخص وتاريخ، ومحاولة كسر رمزية فنان مصري بحجم محمد صبحي، عبر لغة استعلاء لا تليق بشاشة ولا بمهنة، ولأن الحجة كانت ضعيفة، جاء التصعيد رخيصًا.
ونوهت إلي أن الهجوم لم يقف عند التصريحات، بل امتد إلى تفتيش فجّ في الأرشيف الفني، حيث استدعاء أفلام قديمة مثل «العبقري خمسة» و*«عبلة الهبلة»*، والتلويح بمشهد «ساخن» جمعه بالفنانة الراحلة هياتم، في محاولة مكشوفة لتلطيخ الصورة الأخلاقية قبل الفنية.
وتسائلت: هل هذا نقاش فني؟.. أم محكمة تفتيش إعلامية تبحث في الماضي لتصفية الحاضر؟، مشيرة إلي أن الأدهى أن يُذكر اسم فنانة راحلة، ويُقحم معها ترحّم شكلي، في سياق تشهير وسخرية لا احترام للميت، ولا احترام للفن، ولا احترام للعقل.
وأكملت د. إيناس حديثها قائلة : ” ثم انتقلت ياسمين عز إلى ملف آخر وهو فيلم «الست» عن كوكب الشرق أم كلثوم، بعدما انتقده محمد صبحي واعتبره جزءًا من مسار يضر بالفن المصري.. ردها كان حاسمًا، لكن سطحيًا: الفيلم إنتاج مصري، ولا مؤامرة على الفن المصري، واتهام السعودية أو موسم الرياض مرفوض.
وأكدت د. إيناس، مرة أخري بأن المشكلة لم تكن في الرد، بل في النبرة.. فبدل النقاش، اختارت الهجوم، وبدل الحجة، اختارت الصوت العالي، وبدل احترام الاختلاف، اختارت لغة: «أنا أؤدّبك».
رأي خبير أمني

وفي هذا السياق، أكد اللواء أشرف عبد العزيز – الخبير الأمني والاستراتيجي أن ما جرى على الشاشة يمثل انفلاتًا مهنيًا خطيرًا، محذرًا من أن استمرار هذا النمط الإعلامي دون محاسبة يحول الشاشات إلى منصات صراخ وتشهير، بما يهدد الوعي العام والأمن المجتمعي معًا.
وطالب اللواء أشرف عبد العزيز، المجلس الوطني لتنظيم الإعلام بالتدخل العاجل، وتطبيق ردع عام واضح وفق مواثيق الشرف الإعلامي، مؤكدًا أن حرية الرأي لا تعني إهدار الكرامة، وأن الانضباط الإعلامي ركيزة أساسية للاستقرار المجتمعي، وليس قيدًا على التعبير.
أما عن الغضب الشعبي لم ينفجر دفاعًا عن محمد صبحي كشخص فقط، بل رفضًا لفكرة أخطر وهي أن يتحول الإعلام إلى منصة لتصفية الحسابات، وصناعة الترند على جثث الرموز.
محمد صبحي، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، لم يُعرف يومًا بالإساءة لدولة أو شعب.. تصريحاته ـ بنصها الكامل ـ لم تتضمن سبًا ولا تطاولًا، بل رأيًا فنيًا وتاريخيًا قابلًا للنقاش، لا للإعدام المعنوي.
رأي الجمهور
الجمهور رأى أن ما جرى لم يكن دفاعًا عن السعودية بقدر ما كان محاكمة علنية لفنان بحجم محمد صبحي، بلغة توبيخ ووصاية لا تليق لا بالإعلام، ولا بتاريخ الرجل، ولا حتى بالخلاف نفسه.
محمد صبحي، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه، لم يُعرف يومًا بالإساءة إلى الدول أو الشعوب، وتصريحاته ـ بنصها الكامل ـ لم تتضمن سبًا ولا إهانة، بل رأيًا فنيًا وتاريخيًا. ومع ذلك، تحوّل الرأي إلى ذريعة للهجوم، والتاريخ إلى ملف اتهام.
القضية هنا لم تعد محمد صبحي ولا ياسمين عز، بل نموذج إعلامي خطير: اضرب اسمًا كبيرًا، وارفع سقف الصوت، واخلط الفن بالدين.. سيولد الترند تلقائيًا.
قد نختلف مع محمد صبحي، قد ننتقد تصريحاته، قد نراجع أفكاره.. لكننا نرفض تمامًا أن يتحول الاختلاف إلى تجريح شخصي، أو أن يُخاطَب رمز فني بلغة: «الزم حدودك».
القضية الحقيقية هنا ليست محمد صبحي، ولا حتى السعودية، بل نموذج إعلامي فرعوني صغير: ” اضرب اسمًا كبيرًا.. ارفع سقف الصوت.. اخلط الفن بالدين.. قدّم نفسك حارسًا للأخلاق.. وسيولد الترند تلقائيًا.
لكن التاريخ لا يُدار بهذه الطريقة. الرموز لا تُسقطها مذيعة، ولا تُمحى قيمتها بحلقة، ولا يُختصر مشوار عمر في جملة متعجرفة.
قد نختلف مع محمد صبحي، ننتقد تصريحاته، نناقش أفكاره لكننا نرفض تمامًا تحويل الاختلاف إلى تجريح شخصي، ومحاكمة أخلاقية، ومحاولة كسر متعمدة لرمز فني.
أما ياسمين عز، فعليها أن تدرك أن الصوت العالي لا يصنع قيمة، وأن الترند ـ مهما بدا صاخبًا ـ عمره قصير، بينما التاريخ… لا يعترف بالضجيج.. فالرموز تبقى، والترند ينتهى .

