المياه المعدنية تحت المجهر.. فيديو عبثي يهدد الأمن الغذائي ويزرع الذعر في السوق !

متابعة/ مروان محمد
من أجل نسبة مشاهدة.. اقتصادٌ يُدمَّر، وثقةٌ تهتز، ومستقبل آلاف العمال يُدفع نحو التقاعد القسري إذا ما وصلت الشركات إلى حافة الإفلاس. وفي قلب هذه الفوضى يبقى أمن مصر الغذائي خطًا أحمر لا يُسمح بالاقتراب منه.
هذا هو المشهد الحقيقي وراء فيديو “المياه الملوثة” الذي شغَل مواقع التواصل لأيام، قبل أن تكشف التحقيقات أن الأمر لا تعدّى بحثًا محمومًا عن التريند، بلا أساس علمي، وبلا مسؤولية، وبلا إدراك لحجم الأذى الاقتصادي الذي قد ينشأ عن دقيقة تصوير واحدة.
فقد أخلت جهات التحقيق سبيل صانعي المحتوى المعروفين بـ “سلطانجي والإكسلانس” بكفالة خمسين ألف جنيه لكل منهما، بعد ثبوت أن المقاطع التي نشراها لتشويه المنتجات الغذائية لم تُبنَ على حقائق، بل على محاولات تسجيل “تجارب” تمت داخل منزل أحدهما، لا في معامل معتمدة ولا تحت إشراف أي جهة رسمية.
وما حدث بعد ذلك لم يكن بسيطًا:
تردد المستهلك، انخفض الإقبال، ارتبكت الشركات، وتضررت مصانعٌ وشركاتٌ لا علاقة لها بالمقطع أصلًا، فالسوق كأي كيان اقتصادي هشّ أمام الشائعات، ويتأثر بسرعة بضغطة زر أو مقطع مصوّر لا يخضع لمراجعة أو تدقيق. وهكذا أصبح اقتصاد كامل مهددًا بسبب فيديو هدفه “زيادة المشاهدات”.
نموذج خطير لفوضى المحتوى الرقمي
اللواء أشرف عبد العزيز، الخبير الأمني والاستراتيجي، وصف ما حدث بأنه نموذج خطير لفوضى المحتوى الرقمي، وأكد أن ضرب الثقة في منتج محلي قد يساوي ضربة مباشرة للأمن القومي الاقتصادي. وقال إن بعض الفيديوهات تُحدث ضررًا لا يقل عن حملات استهداف مدروسة، وإن الردع القانوني السريع ضرورة لحماية سمعة الصناعة المصرية من العبث.
منصات التواصل لم تعد مجرد وسائل ترفيه
الدكتورة إيناس عبد العزيز، خبيرة الأمن الرقمي، شددت على أن منصات التواصل لم تعد مجرد وسائل ترفيه، بل أصبحت ساحات قادرة على التأثير في الأسواق وصناعة قرارات البيع والشراء.
وأوضحت أن أخطر ما في الأمر ليس الفيديو ذاته، بل قابلية الناس للتصديق بلا دليل، وتحوّل “المحتوى العبثي” إلى قوة تضغط على اقتصاد دولة كاملة.
إن صناعة الغذاء في مصر ليست محلًا للتجارب الهزلية ولا لمحتوى يطارده الربح السريع. نحن نتحدث عن مصانع تمتلك عشرات الآلاف من العمال، عن سلاسل إنتاج وتصدير، عن أسواق خارجية تراقب ما يُنشر داخل مصر، وعن ثقة دولية تُبنى ببطء وقد تهتزّ في ثانية.
لا أحد ينكر أن هناك جهات رقابية، ومعامل معتمدة، وقوانين صارمة تحكم إنتاج الغذاء. لكن ما لا يمكن السكوت عنه هو الفوضى الرقمية التي تسمح لأي شخص مهما كان مستواه المعرفي بإصدار “أحكام” تضرب صناعة كاملة، وتؤثر على لقمة عيش آلاف الأسر.
القضية ليست فيديو.. القضية أن دقيقة تصوير قد تساوي خسائر بملايين الجنيهات، وتأثيرًا يمتد إلى التصدير، والعملة الصعبة، والعمالة، وسمعة دولة بأكملها.
المطلوب الآن ليس الغضب، بل الوعي، ليس الانفعال، بل الفهم، فأمن مصر الغذائي ليس مادة للضحك، ولا مساحة للتريند، ولا ملعبًا للمغامرين، إنها صناعة تمس حياة كل بيت، وحمايتها مسئولية مجتمع .





