مقالات

د. إيناس عبد العزيز تكتب: بين انفعال فنان وكرامة سائق.. أين تختفي الحقيقة ؟

أزمة محمد صبحي والسائق.. رسالة راقية من ابن السائق.. رواد السوشيال ميديا 

في الساعات الأخيرة تحوّل اسم الفنان الكبير محمد صبحي إلى مادة مشتعلة على السوشيال ميديا بعد انتشار فيديو يظهر فيه وهو يوبّخ سائقه في دار الأوبرا، عقب تكريمه في مهرجان “آفاق”. وبين من رأى في المشهد “إهانة لا تُغتفر”، ومن اعتبره “رد فعل طبيعي” لإنسان مرهق خرج للتو من أزمة صحية… غابت الحقيقة وسط ضجيج التريند.

الحقيقة ببساطة أن الفنان – أي فنان – إنسان قبل أي شيء. يُرهق، يتوتر، يمرض، وينفعل. لا يوجد شخص في العالم محصّن ضد لحظة فقدان أعصاب، خاصة إذا كان قد خرج قبل أيام من المستشفى، ثم يجد نفسه محاصَرًا بعد انتهاء التكريم بعدسات هواتف تتسابق لحصد مشاهدات، دون مراعاة لظرفه أو لخصوصيته.. هذا الضغط النفسي والصحي مجتمعًا كان كافيًا ليجعل أي شخص ينفعل، حتى لو كان فنانًا بحجم محمد صبحي.

لكن وسط الضجيج ظهر صوت هادئ… صوت ابن السائق.

كتب الابن رسالة راقية لإحدى الصفحات شرح فيها سبب تأخر والده: “أبويا عنده 65 سنة… وراح الحمّام. وللعلم هو مش سواق الفنان بشكل دائم، هو سواق أخته مدام سلوى.”
رسالة بسيطة، صادقة، وخلّت الصورة أوضح.

وهنا أوجّه كلمة مباشرة لابن السائق: ” أنت ابن رجل محترم… رجل يعمل بكرامة، ويجري خلف رزقه، ويقف على قدميه رغم عمره وظروفه.. تأخره لم يكن إهمالًا، بل حاجة إنسانية طبيعية لأي رجل في عمره.. وردّك الهادئ في وقت كانت فيه المنصات مشتعلة يؤكد أنك ابن أصل، تعرف معنى حفظ كرامة والدك دون الدخول في صخب أو شجار إلكتروني” . .

الناس على السوشيال ميديا كثيرون.. لكن أصحاب التربية الحقيقية قليل

أما الفنان محمد صبحي، فالحقيقة أنه لم يخرج من المستشفى منذ وقت طويل، وكان من الصعب عليه الوقوف في البرد أو الزحام انتظارًا لسيارة غير موجودة. ومَن يرى المشهد كاملًا يدرك أنه كان محاصرًا بعدد كبير من الهواتف، في مشهد بات مزعجًا ومهينًا لكثير من المشاهير حتى في الجنازات والعزاءات. وهذه نقطة تحتاج لمراجعة مجتمعية.. متى سنفهم أن الإنسان له مساحة خاصة يجب احترامها، مهما كان مشهورًا ؟ .

ليس المطلوب أن ندافع عن الخطأ، ولا أن نُشيطن أحدًا، بل أن نرى الصورة كاملة: ” فنان مرهق صحيًا.. سائق كبير في السن.. ظرف ضغط ولحظة انفعال.. وجمهور يحكم من “كادر” صغير لا يعرف ما قبله ولا بعده” .

ختامًا.. التريند ليس محكمة، والسوشيال ميديا ليست قاضيًا، والحياة كلها لا تُقاس بلحظات الانفعال، بل بطريقة فهمنا للإنسانية خلف الموقف.

تحية تقدير للسائق المحترم.. وتحية احترام للفنان الذي يبقى إنسانًا قبل أن يكون نجمًا .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى