أخبار
من بيت الزوجية إلى مسرح جريمة.. عروس المنوفية تكشف ما نخشى الاعتراف به عن العنف الأسري في مصر

متابعة/ مروان محمد
لم تكن جريمة عروس المنوفية مجرد واقعة قتل أُضيفت إلى سجل الحوادث، بل كانت صفعة مدوية على وجه المجتمع كله. فتاة في مقتبل العمر، خرجت من بيت أهلها منذ أشهر قليلة بفستان أبيض، وعادت إليهم جثمانًا محمّلًا بالكدمات، وبداخله جنين لم يُمنح فرصة للحياة.
هذه الجريمة لم تحدث فجأة، ولم تكن “خلافًا زوجيًا” كما حاول البعض تبسيطها، بل كانت النتيجة المنطقية لمسار طويل من العنف، الصمت، والتبرير.
المنوفية حين تفضح الجريمة ما قبلها
التحقيقات كشفت أن العروس لم تُقتل في لحظة غضب عابرة، بل بعد شهور من الضرب الممنهج والسيطرة الكاملة والعزل الاجتماعي ومنع الهاتف ومنع العلاج رغم الحمل والنزيف .
والأخطر من الجريمة نفسها كان محاولة التغطية باستعجال الدفن، وترويج روايات “الهزار” و“لسعة الفرن”، وكأن الجسد الأزرق والكدمات المنتشرة يمكن إنكارها بالكلام.. المنوفية هنا لم تكن مسرحًا لجريمة واحدة، بل مرآة لواقع يتكرر بصور مختلفة.
رأي د. إيناس عبد العزيز: الجريمة بدأت بعقلية لا بيد

أكدت د. إيناس عبد العزيز خبيرة الأمن الرقمي، أن حادث المنوفية نموذج صريح لما تسميه العنف المقنّع بالزواج.. “القتل لم يبدأ بالضرب، بل بدأ بعقلية ترى الزوجة ملكًا لا شريكة، وكيانًا يجب إخضاعه لا إنسانًا له حق.”
وترى د. إيناس عبد العزيز، أن السيطرة على الهاتف، ومنع العلاج، والعزل عن الأهل، ليست تفاصيل هامشية، بل مراحل تمهيدية للقتل.
وتضيف خبيرة الأمن الرقمي : “حين يُسمح للعنف أن يستمر دون ردع، يتحول الجاني من ضارب إلى قاتل وهو مطمئن.”
العنف التصاعدي… القتل لا يأتي فجأة
كما توضح د. إيناس، بأن أغلب جرائم قتل الزوجات تمر بمراحل واضحة كالأتي:
1.إهانة
2.تهديد
3.ضرب
4.حبس
5.حرمان من العلاج
6.قتل
وتابعت، كل مرحلة يتم السكوت عنها، تُقصر المسافة إلى النهاية “الصفعة التي لم تُحاسَب، هي رسالة ضمنية بأن الضحية بلا حماية.”
هل نحن أمام تبدل أدوار بعد حوادث تقطيع الأزواج ؟
وحذرت د. إيناس من القراءة السطحية لفكرة “تبدل الأدوار” بعد انتشار جرائم قتل الأزواج على يد زوجاتهم.. “الدور لم يتبدل… الذي تبدل هو شكل الانفجار.”
كما أوضحت، أن بعض النساء لا ينتقلن من الضعف إلى الإجرام فجأة، بل من قهر مزمن إلى انفجار دموي، بعد انسداد كل أبواب النجاة، أما التقطيع، فتراه تفريغ غضب مكبوت أو محاولة لا واعية لاستعادة السيطرة أو تعبيرًا عن سنوات من الإذلال.. “التقطيع ليس وحشية فقط… بل صرخة متأخرة.”
⸻
الرأي الأمني
اللواء أشرف عبد العزيز: ما يحدث خطر أمني مجتمعي

يرى اللواء أشرف عبد العزيز الخبير الأمني والاستراتيجي، أن حادث المنوفية ليس جريمة أسرية معزولة، بل مؤشر خلل خطير في منظومة الأمان المجتمعي.. “حين يصبح البيت أخطر مكان على المرأة، فنحن أمام أزمة أمن اجتماعي حقيقية.”
وأكد اللواء أشرف عبد العزيز أن معظم جرائم القتل الزوجي مسبوقة بعنف معروف، أو تجاهل البلاغات أو التسويات الشكلية يفتح الباب للجريمة.. الأمن لا يبدأ بعد القتل، بل عند أول استغاثة.. “التدخل المبكر كان كفيلًا بإنقاذ عروس المنوفية.”
الحلول – رؤية د. إيناس عبد العزيز: كيف نمنع الجريمة قبل أن تقع؟
ترى د. إيناس أن العقوبة بعد الموت عدالة ناقصة، والحل الحقيقي يبدأ قبل الجريمة بوقت طويل، كسر الصمت المجتمعي، العنف الأسري ليس شأنًا خاصًا، تبرير الضرب باسم “الستر” هو مشاركة غير مباشرة في الجريمة.. “الصمت لا يحمي البيوت.. الصمت يدفن الضحايا.”
تدخل إلزامي عند أول اعتداء كما يلي :
•اعتبار أول صفعة أو تهديد بلاغًا جديًا
•منع التصالح الشكلي
•إخضاع المعتدي لتقييم نفسي وسلوكي
“التصالح دون علاج أو ردع هو تأجيل للقتل.”
حماية حقيقية للنساء
•بيوت آمنة فعالة
•سرية البلاغات
•دعم نفسي وقانوني سريع
•عدم إعادة الضحية قسرًا إلى بيئة الخطر
“لا يجوز أن يكون الخيار بين العنف والشارع.”
ويجب إدماج الصحة النفسية في العدالة، حيث علاج سلوكي إلزامي للمعتدين ومتابعة مستمرة لا جلسات شكلية .. “الزوج العنيف اليوم… مشروع قاتل غدًا إن لم يُردع.”
إعلام مسؤول
وكذلك تحذر د. إيناس من تحويل الجرائم الأسرية إلى ترند، حيث التناول المثير يطبع العنف والتبرير يخلق عدوى وإخفاء السياق يقتل الحقيقة .
قانون واضح ورادع
وتؤكد أن الحل الجذري هو قانون شامل للعنف الأسري وتعريف صريح لكل أشكال الاعتداء وعقوبات تصاعدية وحماية فورية للضحايا.. “القانون حين يتأخر.. يصبح شاهدًا لا مانعًا.”
الخاتمة: عروس المنوفية لم تمت وحدها
عروس المنوفية لم تمت وحدها، بل مات معها وهم أن العنف “خلاف عائلي”ومات الجنين قبل أن يرى النور ومات السؤال الساذج: ” إزاي حصل كده ؟”.. السؤال الحقيقي الآن كم صفعة أخرى سنبررها… قبل الجريمة القادمة؟.. المنوفية لم تكن استثناءً.. كانت إنذارًا أخيرًا .