أخبار
الدارك ويب طريق بلا عودة.. حين يتحول الفضول إلى فخ والجريمة إلى عرض مباشر

بقلم: مروان محمد
الدارك ويب ليس شبكة. هو مستنقع نفسي، تدخل إليه إنسانًا، وقد تخرج، لكن ليس بنفس النظرة، ولا بنفس الإحساس، ولا بنفس البراءة.
هناك أبواب في الحياة لا تُفتح لأنها مغلقة، وهناك أبواب أخطر مفتوحة.. لكنها لم تُصمَّم للبشر.. الباب الذي لا تعرف ما وراءه لا تفتحه، لأن بعض الأبواب، إن فُتحت.. لا تُغلق من الداخل.

الإنترنت الذي لا نراه

كشفت الدكتورة إيناس عبد العزيز خبيرة الأمن الرقمي، بأن الإنترنت الذي نستخدمه يوميًا—محركات البحث، مواقع الأخبار، منصات التواصل.. ليس سوى واجهة مضيئة تخفي خلفها عوالم أعمق وأكثر خطورة.
وأضافت د. إيناس: ” تحت هذا السطح يوجد ما يُعرف بـ “الديب ويب”، وتحت الديب ويب.. تبدأ الهاوية، والدارك ويب هو المساحة التي تختفي فيها الهوية، تسقط فيها الأسماء، ويتحول الإنسان إلى رقم، أو ملف، أو سلعة.
وأكملت د. إيناش حديثها، هناك لا أحد يسألك من أنت، ولا أحد يحاسبك على ما تشاهد، ولا أحد يراك إلا إذا أراد.. “الدارك ويب لا يُستخدم للبحث، بل لاختبار حدود الإنسان النفسية.”
كيف وُلد الظلام من فكرة الحماية
وأوضحت خبيرة الأمن الرقمي، بأن الدارك ويب نشأ في الأساس كأداة لحماية الاتصالات السرية. تقنية صُممت لإخفاء المصدر ومنع التتبع، لكن حين اختفى الاسم، سقط الخوف.. وحين سقط الخوف ظهر ما كان مخفيًا في الظل، مشيرة إلي أن الخصوصية تحولت إلى قناع، والقناع إلى درع، والدرع إلى بيئة مثالية لكل ما هو محرّم.
من الأسواق إلى تجارة كل ما لا يجب أن يُباع
وأشارت د. إيناس، إلي أن في البدايات ظهرت أسواق مظلمة مثل Silk Road، ثم تطورت إلى منصات أكثر احترافًا مثل AlphaBay، لم تعد مجرد مواقع عشوائية، بل منظومات تُدار بعقلية الشركات، موضحة يأن داخل هذه العوالم تُعرض: ” تجارة البشر- بيع الأعضاء- هويات كاملة للبيع- بيانات أشخاص أحياء- تسجيلات خاصة تم الحصول عليها قسرًا- خدمات ابتزاز وإيذاء” .. كل شيء له سعر حتى الصمت له ثمن.
عندما يصبح الألم مادة للفرجة
وأكملت د. إيناس حديثها قائلة: ” في طبقات أعمق، تتحدث تقارير دولية عن غرف مغلقة داخل الدارك ويب يُشار إليها باسم Red Rooms.. غرف لا تُعلن، ولا تُفهرس، ولا يدخلها إلا من يعرف الطريق.
فيما أشارت تقارير أمنية ونفسية دون جزم إلى أنه يتم بث مباشر ومشاهد عنف حقيقية ومتابعين يدفعون مقابل “الاستمرار” ، فالجريمة هنا لا تُرتكب في الخفاء، بل تتحول إلى عرض، والضحية إلى مشهد، والمشاهد إلى شريك بالصمت.
حين يُمحى الخط الفاصل بين المشاهدة والوحشية
علم النفس الجنائي يؤكد أن التعرّض المتكرر لمحتوى العنف المنظم يؤدي إلى تآكل تدريجي في الإحساس بالذنب.. في البداية صدمة، ثم اعتياد، ثم برود.. ومع الوقت، يختفي الحاجز الأخير بين المشاهدة… والفعل.
بيتر سكالي..الاسم الذي أسقط الأسطورة
قضية بيتر سكالي كانت لحظة فاصلة عالميًا.. اتهامات موثقة باستغلال أطفال، وتصوير جرائم، وتداول المقاطع عبر شبكات مظلمة، ومتابعين بالآلاف—بل بالملايين—يشاهدون ويدفعون.
هذه القضية لم تكن خيالًا رقميًا، بل ملفًا قضائيًا أكد أن ما يُعرض في الدارك ويب قد يكون واقعًا حيًا.. منذ تلك اللحظة، لم يعد الحديث عن هذه الغرف ضربًا من الأساطير.
الأطفال.. الهدف الذي لا يملك دفاعًا

تشير تقارير دولية إلى أن الأطفال هم الفئة الأكثر استهدافًا، وفي أخطر زوايا هذا العالم. ليس فقط لأنهم الأضعف، بل لأن استهدافهم يكشف أقصى درجات الانفصال الإنساني.
وهنا يفرض سؤال نفسه بقسوة: هل تُرتكب بعض الجرائم من أجل العرض؟.. لا توجد حتى الآن أي أحكام قضائية داخل مصر تربط قضايا بعينها بالدارك ويب أو بغرف البث المظلمة.. لكن التشابه لا يمكن تجاهله.
جرائم تتسم بـ: إفراط غير مبرر في العنف، قسوة تتجاوز أي دافع منطقي، برود بعد الفعل، وتفاصيل توحي بأن الجريمة لم تكن لحظة اندفاع.. بل مشهدًا مكتملًا.
خبراء علم النفس الجنائي يرون أن هذا النمط قد يتقاطع مع عقول تعرّضت طويلًا لثقافة رقمية مظلمة تدرّب العقل على القسوة وتكسر آخر حواجز التعاطف.. هو احتمال تحليلي، لا اتهام، ولا استباق للتحقيقات.
لكن السؤال الأخطر يبقى قائمًا: هل يمكن أن تكون بعض الجرائم قد نُفذت ليس فقط بدافع الجريمة.. بل بدافع أن تُشاهد؟
من متفرج إلى فريسة
وحذرت الدكتورة إيناس من وهم الفضولـ مؤكدة بأن الدارك ويب لا يراك إنسانًا، بل “نقطة وصول”، وأن نقرة واحدة خاطئة
قد تحوّل الجهاز إلى أداة، وصاحبه إلى غطاء، قائلة :“الدارك ويب لا يخطفك فجأة.. هو يبتلعك ببطء.”
تحذير أمني: التجربة التي لا تُحتمل

وفي ذات السياق، أكد اللواء أشرف عبد العزيز الخبير الأمني والاستراتيجي، أن أخطر ما في الدارك ويب
أنه لا يصدمك مرة واحدة، بل يسحبك تدريجيًا.
وأشار، إلى أن بعض من تعاملوا مع محتواه حتى في سياق أمني احتاجوا إلى علاج نفسي من هول ما شاهدوه مؤكدا بأن أخطر ما في الدارك ويب أنك لا تدرك حجم الخطر إلا بعد أن تكون قد دخلت.” .
وأضاف اللواء أشرف عبد العزيز، بأن الدارك ويب لا يخلق الجريمة لكنه يدرّب عليها، مؤضحا بأنه لا يجبرك على الشر لكنه يزيل عنه الرهبة، وأن ليس كل من يدخل يتحول إلى وحش، لكن كثيرًا من الوحوش الحديثة مرّوا من هناك ولو بالمشاهدة.
وفي الختام ، الباب الذي لا تعرف ما وراءه لا تفتحه.. لأن بعض الأبواب أن فتحت لا تغلق .