أخبارمقالات

لم تعد جرائم القتل الزوجية مفاجِئة.. المفاجئ فقط هو أننا ما زلنا نتعامل معها كأخبار عابرة

بقلم: اللواء أشرف عبد العزيز الخبير الأمني والاستراتيجي

خلال أيام قليلة، تحولت غرف النوم إلى مسارح جريمة، وتحولت الخلافات الزوجية من نقاشات مغلقة إلى نهايات دامية، زوج يُقتل على سريره، زوجة تُحرق وتُلقى في جوال، وأسرة كاملة تُمحى في لحظة غضب، وفي المشهد الموازي تُعلن طلاقات المشاهير على الهواء، كأن انهيار البيت أصبح مادة للعرض والترند.

القتل الزوجي ليس مجرد جريمة فرد بل إنذار بفشل جماعي في حماية أبسط وحدة في المجتمع:

ما يحدث ليس انفلاتًا فرديًا، بل إنذارًا مجتمعيًا خطيرًا، حين يسقط الأمان داخل البيت، لا يعود الشارع هو المشكلة، ولا تكفي القوانين وحدها لحماية مجتمع فقد السيطرة على أبسط علاقاته الإنسانية.

 تصاعد جرائم القتل الزوجية

ما نشهده من تصاعد في جرائم القتل داخل البيوت الزوجية لا يمكن وصفه بأنه انفلات عابر أو وقائع فردية، بل هو مؤشر خطير على خلل عميق في منظومة الوعي والسلوك داخل المجتمع.

هذه الجرائم لا تبدأ لحظة ارتكابها، بل تُصنع على مهل، حين يغيب العقل ويتراجع الضمير ويعلو صوت الغضب.

الخلافات الزوجية أمر طبيعي في أي مجتمع، لكن الخطورة الحقيقية تبدأ عندما تتحول هذه الخلافات إلى احتقان دائم بلا حوار، وبلا آليات تفريغ نفسي أو تدخل مبكر.

الغضب المكبوت أخطر من الغضب المعلن، لأنه يتراكم في صمت، ثم ينفجر في لحظة واحدة بأقصى درجات العنف.

كما أن الضغوط الاقتصادية والمعيشية، والخوف من الفشل، والشعور بالعجز، كلها عوامل تضغط على النفس البشرية حتى تفقد قدرتها على ضبط السلوك، فيتحول الخلاف من نقاش إلى صراع وجودي، ومن مشكلة قابلة للحل إلى جريمة كاملة الأركان.

ومن أخطر الأسباب أيضًا، شيوع ثقافة الانتقام على حساب ثقافة القانون، فبعض الجناة لم يلجأوا إلى العدالة، ليس جهلًا بها، بل لفقدان الصبر والإيمان بالإجراءات، فصار العنف في نظرهم طريقًا أسرع من القانون، والقتل حلًا نهائيًا لإنهاء الصراع.

وتلعب الغيرة المرضية والشك المَرَضي دورًا رئيسيًا في كثير من هذه الجرائم، حيث تتحول المشاعر إلى هوس يفقد الإنسان توازنه، ويُعميه عن العواقب.

كما أن الإهانة المتكررة وكسر الكرامة الإنسانية داخل العلاقة الزوجية قد يدفعان بعض النفوس الضعيفة إلى الانفجار العنيف بدلًا من المواجهة الواعية.

ولا يمكن إغفال التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، التي روّجت لخطاب التحريض والانفعال السريع، وقدمت الانتقام بوصفه شجاعة، والفضيحة بوصفها حقًا، دون أي اعتبار لنتائج ذلك على النفس والأسرة والمجتمع.

الأخطر من كل ما سبق هو تطبيع المجتمع مع هذه الجرائم، حين يصبح القتل الزوجي خبرًا عابرًا، نكون قد فقدنا أخطر عناصر الردع وهو الشعور بالصدمة.

الأسرة هي خط الدفاع الأمني الأول في أي دولة، وإذا انهارت الأسرة، فلن تكفي كل أدوات الردع الأمنية لإعادة الاستقرار.

الأمن لا يبدأ من الشارع، بل يبدأ من البيت، وما لم نُعيد الاعتبار للحوار، والدعم النفسي، والتدخل المبكر، سنواجه جرائم أشد قسوة، وأكثر اقترابًا من بيوتنا.

هذه ليست حكايات عن قتل.. بل شهادة دامغة على لحظة اختلال كبرى، لحظة قرر فيها الغضب أن يحل محل العقل، والعنف أن يصبح بديلًا عن الحوار .

زر الذهاب إلى الأعلى