أخبارتقارير

مقعد ممنوع للنساء ؟!.. قرار محافظ يفتح ملف حقوق المرأة في المواصلات

متابعة: مروان محمد 
أعاد قرار منسوب إلى محافظة البحيرة، بمنع جلوس المرأة في المقعد الأمامي بجوار السائق في سيارات الأجرة، الجدل حول الفاصل الدقيق بين حماية المرأة وتقييد حقوقها، قبل أن تعلن المحافظة التراجع عنه، بعد موجة انتقادات قانونية ومجتمعية واسعة.
القرار، الذي قُدِّم باعتباره إجراءً احترازيًا يهدف إلى حماية السيدات من أي سلوكيات غير منضبطة داخل سيارات الأجرة، تحوّل سريعًا من «تنظيم إداري» إلى قضية رأي عام، طرحت سؤالًا مباشرًا: هل ما جرى يُعد تقييدًا لحقوق المرأة، أم تمييزًا بينها وبين الرجل؟ .
هل القرار تقييد أم تمييز؟
من الناحية القانونية، يختلف المفهومان، فتقييد الحق يعني الحدّ من ممارسة حق أصيل كحرية التنقل، أما التمييز فيعني معاملة فئة من المواطنين معاملة مختلفة دون مبرر دستوري.
ويرى متخصصون أن القرار – رغم استهدافه المعلن للحماية – تعامل مع المرأة باعتبارها الطرف الذي يجب ضبط سلوكه، وليس الطرف الذي يجب حمايته بالقانون، وهو ما وضعه في منطقة رمادية بين الحماية المشروعة والتمييز غير المباشر.
رؤية أمنية: نية الحماية لا تكفي
اللواء أشرف عبد العزيز، الخبير الأمني والاستراتيجي، يؤكد أن الهدف المعلن للقرار لم يكن تقييد حرية المرأة، بل حمايتها من بعض السلوكيات الإجرامية المنتشرة في المجتمع، قائلًا: «القرار في جوهره لم يستهدف المرأة، وإنما حاول تحصينها من سلوكيات منحرفة لبعض السائقين، كالمتحرشين أو متعاطي المخدرات، وبالتالي لم يُقصد به التمييز».
ويضيف اللواء أشرف عبد العزيز، أن القرارات الصادرة عن المحافظين تظل قرارات إدارية تنظيمية لا ترقى إلى مستوى القانون، ولا تُنشئ جريمة أو عقوبة جنائية، وإنما أقصى ما يمكن أن يترتب عليها جزاءات إدارية متعلقة بالترخيص.
كما شدد في الوقت ذاته على أن: «الحماية الحقيقية لا تتحقق بعزل المواطن أو تقييد حركته، بل بتطبيق القانون على من يخرج عليه».
الرأي القانوني: الأثر لا النية
من جانبه، يوضح الأستاذ ماهر العشري المحامي بالنقض، أن التقييم القانوني لأي قرار لا يكون بنواياه، بل بآثاره، مؤكدًا أن: «أي قرار إداري يقيّد حقًا عامًا أو يفرض وضعًا مختلفًا على فئة دون أخرى، يجب أن يستند إلى قانون، وإلا أصبح محل شبهة عدم الدستورية».
ويشير الأستاذ ماهر العشري، إلى أن الدستور المصري كفل المساواة بين المواطنين، وحظر التمييز بسبب الجنس، وهو ما يجعل أي تنظيم يفرض قيدًا على المرأة دون الرجل محل تساؤل، حتى وإن كان تحت شعار الحماية.
ويرى “العشري” أن تراجع المحافظة عن القرار يُعد مؤشرًا على إدراك هذه الإشكالية، خاصة مع صعوبة تطبيق القرار عمليًا دون مساس بمبدأ المساواة.
الأمن الرقمي: الحماية الحديثة لا تعزل
أما د. إيناس عبد العزيز، خبيرة الأمن الرقمي، فترى أن الأزمة تعكس فجوة بين أدوات الحماية التقليدية ومتطلبات الواقع الحديث، موضحة أن: «الحماية في عصرنا لا تقوم على المنع أو الفصل، بل على الرقابة والمحاسبة والتوثيق».
وتؤكد أن البدائل الأكثر فاعلية تشمل:
•كاميرات داخل المركبات
•تتبع الرحلات
•آليات بلاغ فوري
•فحص دوري لسجلات السائقين
وتضيف د. إيناس عبد العزيز، أن تحميل المرأة عبء الحماية بدلًا من معاقبة المعتدي، يخلق شعورًا بالظلم ويفقد القرارات مصداقيتها المجتمعية.
القرار لم يكن وليد نية سيئة، بل محاولة للحماية، لكنه اصطدم بسؤال أكبر: هل تُحمى الحقوق بتقييدها؟.. ما بين من رآه إجراءً وقائيًا، ومن اعتبره تمييزًا غير مباشر، يبقى الثابت أن حماية المرأة لا تتحقق بعزلها أو الحد من حركتها، بل بتطبيق صارم للقانون، ومحاسبة حقيقية لكل من يعتدي أو يتحرش.
فالدولة القوية لا تحمي مواطنيها بالمنع.. بل بالعدل والمساءلة وسيادة القانون.
حين تتحول النية الحسنة إلى أزمة
في الظاهر، بدا القرار وكأنه محاولة لتوفير حماية للمرأة من بعض السلوكيات المنحرفة داخل وسائل النقل، لكن في جوهره كشف إشكالية أخطر: نقل عبء الحماية من الجاني إلى الضحية، فبدلًا من تشديد الرقابة على السائقين أو محاسبة المتحرشين، جرى تقييد مقعد بعينه، وكأن المشكلة في مكان الجلوس لا في السلوك الإجرامي .
زر الذهاب إلى الأعلى