تقارير

مدارسنا بين الصمت والخطر.. الأطفال ضحايا التحايل والاستغلال داخل جدران التعليم

كتب /مروان محمد

في قلب العاصمة المصرية، على طريق مصر الإسماعيلية الصحراوي بمنطقة العبور، انكشفت كارثة صادمة هزت ضمير المجتمع، خمسة أطفال تعرضوا لاعتداء جنسي داخل مدرسة دولية، على أيدي موظفين لم يجدوا رقابة تردعهم، ولا أسرة تراقب أبنائها عن كثب. الواقعة لم تكشف إلا بعد متابعة دقيقة من إحدى الأمهات، التي لاحظت تغيّر سلوك ابنتها الصغيرة وبدأت تحقق في ما وراء الظاهر، لتكتشف سلسلة من الانتهاكات المروعة.

الأمر لم يكن مجرد حادث فردي، بل كشف عن فجوة ضخمة في نظام الرقابة المدرسية، وضعف شديد في الرقابة الأسرية، وتراخٍ مذهل في التعامل مع أبسط مؤشرات الخطر. كاميرات المراقبة؟ مشرفو المدرسة؟ إجراءات الوقاية؟ كلها أظهرت ضعفًا مريعًا، وكأن جدران المدرسة قد تحولت إلى مناطق عازلة عن القانون والأمان.

حسب خبيرة الأمن الرقمي د. إيناس عبد العزيز ما حدث ليس صدفة، بل نتيجة طبيعية لخلل مزدوج: انحراف نفسي لدى بعض الموظفين الذين استغلوا مواقعهم داخل المدرسة، وفشل المؤسسة في فرض قواعد صارمة لحماية الأطفال. “الانتهاك داخل بيئة مدرسية لا يُغتفر، لأن الأطفال يُفترض أن يكونوا في أكثر الأماكن أمانًا”، تقول د. إيناس، مشددة على أن غياب الرقابة المستمرة هو ما يمنح المعتدي شعورًا مطلقًا بالقدرة على تنفيذ جريمته دون مساءلة.

من جانبه، يشير اللواء أشرف عبد العزيز، خبير الأمن، إلى أن المدارس الدولية ليست حصونًا منيعة، وأن أي تساهل في الرقابة أو ضعف في تطبيق السياسات الصارمة يشجع على الانتهاك. “يجب أن تكون الكاميرات متصلة مباشرة بمكتب الإدارة، والمشرفون في حالة يقظة دائمة، وأن يكون هناك بروتوكول صارم للتعامل مع أي تحذير أو شكوى”، يؤكد عبد العزيز، مضيفًا أن الفشل في هذه الإجراءات لا يُعد إهمالًا فقط، بل يشكل تهديدًا حقيقيًا لأرواح الأطفال وصحتهم النفسية.

الجانب النفسي للأطفال ضحايا هذه الجرائم لا يقل صعوبة عن الواقعة نفسها. الأطفال غالبًا ما يعيشون صدمة صامتة، ويعانون من خوف دائم، فقدان الثقة بالبالغين، وأحيانًا انعزال اجتماعي طويل الأمد. تقول د. إيناس: “الأطفال الذين يتعرضون للتحرش يواجهون معركة مزدوجة: مواجهة ما حدث لهم، ومحاولة التعبير عنه دون أن يُتهموا أو يُسخر منهم”.

أما الأسباب الجذرية لهذه الكارثة، فتتجاوز الطبيعة الفردية للانتهاك. هناك إهمال مؤسسي واضح، وفجوات في متابعة الأطفال داخل المدرسة، وضعف في تدريب الموظفين على التعامل مع الأطفال واحترام حقوقهم، وغياب تام للسياسات الوقائية الصارمة. علاوة على ذلك، ثمة غياب للأسرة عن متابعة دقيقة لسلوك الأطفال والتغيرات النفسية لديهم، ما يجعلهم أكثر عرضة للاستغلال.

الوقاية هي الحل الحقيقي، ويشدد الخبراء على أن كل طرف مسؤول: الأسرة يجب أن تتواصل يوميًا مع أطفالها، وتراقب سلوكياتهم وأماكن تواجدهم، وتعلمهم كيفية الدفاع عن أنفسهم. المدرسة يجب أن تنفذ أنظمة مراقبة صارمة، وتحمي الأطفال من أي فرصة للوصول إلى مناطق نائية دون إشراف. ويجب أن يكون هناك خط مباشر للبلاغات يمكن للأطفال أو أولياء الأمور استخدامه فورًا دون خوف.

التحقيقات مستمرة، والنيابة العامة تقوم بتفريغ كاميرات المراقبة واستدعاء جميع الأطراف، لكن الحقيقة المؤلمة هي أن الوقاية تبدأ قبل وقوع الجريمة، وأن كل يوم صمت عن المراقبة أو التحقق قد يتحول إلى مأساة جديدة.

هذه الكارثة تضعنا أمام سؤال صارخ: إلى متى سيظل أطفالنا في مرمى الخطر بينما نغلق أعيننا عن علامات التحذير؟ المجتمع بأسره مسؤول، والأسرة والمدرسة والدولة يجب أن تتحرك الآن، قبل أن تتحول هذه الواقعة إلى نموذج يتكرر في مدارس أخرى.

الدرس الصادم: الأطفال هم المستقبل، لكنهم بحاجة لأيدينا الحامية اليوم، وإلا فإن الصمت سيكون قاتلًا قبل أن يظهر المعتدي.

زر الذهاب إلى الأعلى