أخبارتقارير

جرائم أطفال تهز مصر.. وخبراء يطالبون بمحاكمة الأب والأم قبل الطفل

متابعة: مروان محمد

لم تَعُد جرائم الأطفال صدمة عابرة… بل تحوّلت إلى كوابيس يومية تهز ضمير المجتمع. من زينة طفلة بورسعيد التي ألقيت من الدور الحادي عشر بعد اغتصاب، إلى طفل الإسماعيلية وقضية “المنشار الكهربائي” التي جمدت الدم في العروق، وصولًا إلى الملاك الصغيرة أيسل ذات السبع سنوات، التي اختُطف حلمها وطفولتها في لحظة وحش لا يعرف رحمة… وقائع متتالية تشير إلى خلل عميق، ليس في القانون فقط، بل في بنية المجتمع ذاته.

هذه ليست أحداثًا متفرقة… بل ظاهرة تطرق باب كل أسرة.. لماذا أصبح بعض الأطفال قادرين على قتل واغتصاب بهذه الوحشية؟.. وهل تخلّى البيت والمدرسة عن دورهما حتى تحوّل العنف إلى خيار؟.. وهل آن أوان تعديل قانون الطفل ليحمّل الأسرة مسؤولية الانحراف المبكر قبل أن يقع الانفجار؟ .

في هذا التحقيق، نفتح كل الملفات، ونواجه الأسئلة التي يهرب منها الجميع.

العنف الذي وُلد في بيوتنا… رحلة الانحدار من الطفولة إلى الجريمة

يقول خبراء علم النفس إن الطفل لا يستيقظ “مجرمًا” فجأة… الجريمة تبدأ صغيرة.. سرقة بسيطة، كذب، تنمّر، سلوك عدواني في المدرسة… ومع غياب تدخل الأسرة، تتحول إلى انحراف كامل.. لكن الأخطر أن “الجيل الرقمي” أصبح يتلقى مبادئه من الإنترنت، وليس من البيت.

الطفل الذي شاهد 500 مقطع عنيف قبل سن 10 سنوات، طبيعي أن يتعامل مع الدم وكأنه مشهد عابر.. الطفل الذي يتعلم المشاجرات عبر “الترندات”، طبيعي أن يمد يده قبل أن يستخدم عقله.. الطفل الذي يُترك دون رقابة، ويتربّى على الإهمال العاطفي، يصبح أرضًا خصبة لكل انحراف.

نحن أمام جيل يتعلم الجريمة قبل أن يتعلم الحروف.. حين تتشابك النفس والتربية والسوشيال ميديا والقانون

من زاوية نفسية:

يشير متخصصون إلى أن 70% من الأطفال الجانحين ظهرت عليهم علامات خطر مبكرة: قسوة على الحيوانات، لامبالاة، نوبات غضب، انسلاخ عاطفي… لكنها لم تُلتقط مبكرًا.

غياب التواصل الأسري وصدمات الطفولة تخلق “شخصية مضطربة” ترى العالم باعتباره غابة.. الطفل الذي لا يجد انضباطًا في البيت، ولا قدوة أمامه، يبحث عن نموذج بديل في الشارع والإنترنت… وهنا تبدأ الكارثة.. محتوى عنيف، غرف دردشة خطرة، ألعاب تحول القتل إلى لعبة، و”يوتيوبرز” يقدّمون العنف في شكل ترفيه.. جيل كامل يتربّى على منطق: “اضرب… اصور… انشر… تصبح مشهورًا”.

من زاوية قانونية:

القانون الحالي لا يزال يعامل بعض مرتكبي الجرائم الخطيرة كـ”أطفال” رغم أنهم يرتكبون جرائم رجال، إضافة إلى ذلك، لا يتحمل الأهالي أي مسؤولية قانونية عن الإهمال الذي أدى إلى خلق مجرم صغير داخل البيت.

المجتمع يسأل اليوم بصوت عالٍ: “هل نحتاج تعديلًا جذريًا لقانون الطفل يشمل محاسبة الأسرة؟”

رأي الدكتورة إيناس عبد العزيز – خبيرة الأمن الرقمي

جاء رأيها كصفعة توقظ مجتمعًا كاملًا:

“أخطر جريمة الآن ليست ما يفعله الطفل… بل ما نسمح له أن يراه كل يوم. نحن نصنع جيلاً بلا مناعة نفسية، ثم نندهش حين يتحول إلى وحش. الطفل الذي يترك أمام شاشته بلا رقابة هو مشروع جريمة مؤجلة. وما لم نُجرّم الإهمال الرقمي وننظّم المحتوى بصرامة، فسندفن مزيدًا من الأطفال مثل زينة وأيسل.”

وتحذر من أن مصر تشهد موجة عالمية الطابع، لكن تأثيرها محليًا أخطر بسبب هشاشة الرقابة الأسرية.
“الانحراف الآن يبدأ بضغطة زر.”

وجهة نظر اللواء أشرف عبد العزيز – خبير الأمن ومكافحة الجريمة

رؤيته جاءت أكثر حسمًا وواقعية:

“عندما يرتكب طفل جريمة اغتصاب أو قتل، فنحن لا نتعامل مع طفل… بل مع شخص تشكّل وعيه على العنف. وغياب الأسرة هنا ليس عذرًا… بل مسؤولية.”

ويضيف: “لابد من تدخل تشريعي عاجل يجعل الأسرة مسؤولة مدنيًا وجنائيًا عن الإهمال الذي يؤدي إلى انحراف أبنائها. لا يمكن أن نترك المجتمع يدفع ثمن تقصير بيت واحد.”

ويؤكد أن جرائم الأطفال اليوم لم تعُد مجرد انحرافات فردية، بل ناقوس خطر يهدد الأمن الاجتماعي بأكمله.

الختام… قبل أن ننزف المزيد

بين زينة وأيسل وجرائم العنف الفظيعة التي يرتكبها أطفال، يتكرر السؤال الذي يهرب الجميع من مواجهته: هل نحن مستعدون للاعتراف بأن الخلل فينا… وأن الجريمة تُربّى في داخل البيت قبل أن تظهر في الشارع؟

الأمر لم يعد يحتمل بيانات عزاء ولا موجات غضب على السوشيال ميديا.. نحتاج تشريعات جديدة، وأسرة واعية، ورقابة حقيقية، ومناهج تصنع إنسانًا لا مجرمًا صغيرًا.

وحتى يحدث ذلك.. ستظل كل طفلة جديدة تُقتل أو تُغتصب وصمة عار على مجتمعٍ ترك أطفاله يتعلمون الجريمة وحدهم.

زر الذهاب إلى الأعلى