
كتب: مروان محمد
حين يتخفّى الذئب في زِيّ سائق، ويبتسم المدرّس وهو يطوي خلفه نوايا سوداء، ويتقدّم العامل بخطوات تبدو عادية بينما يحمل في صدره وحشًا جائعًا، عندها لا يعود الطفل طفلًا، بل فريسة مشتهاة في عيونٍ بلا رحمة، تسرق البراءة كما يُسرَق الضوء من غرفة مغلقة .
كيف تحمى اطفالك من التحرش
لم يعد التحرّش بالأطفال خبرًا غامضًا أو قصة بعيدة نسمعها في نشرات المساء. أصبح واقعًا يقتحم البيوت والمدارس والميادين دون استئذان. طفل يحمل حقيبته الصغيرة، أو طفلة تبتسم لمعلمتها… وفي الخلفية يقف عامل، سائق، أو شخص قريب من المؤسسة التعليمية، يستطيع الوصول إلى الطفل بسهولة، ويعرف جيدًا أين يختبئ الخوف وكيف تُطفأ صرخته.
هذه ليست مبالغة
في معظم القضايا التي هزّت الرأي العام، لم يكن الجاني “غريبًا مجهولًا”، بل عامل نظافة، سائق باص مدرسة، عامل بوفيه، فرد خدمة داخل مدرسة أو حضانة، أشخاص يتعاملون يوميًا مع الأطفال ويعرفون تفاصيل تحركاتهم، ويستغلون غياب الرقابة، أو ثقة الأسرة، أو “براءة الطفل” التي أصبحت سلاحًا ضدّه.
كيف يفكر المتحرش؟ وما الذي يجعله ينجح؟
المتحرش لا يتحرك صدفة، بل يستغل أربعة عوامل قاتلة:
1.الثقة الزائدة: “ده راجل كبير… وطيب… وبيساعد الأطفال”.
2.الخلوة: غرفة تخزين، حمّام، باص المدرسة، ممر جانبي.
3.الطفل الخجول الذي لا يعرف كيف يرفض أو يصرخ.
4.عامل الخدمة الذي لا يخضع غالبًا لأي فحص نفسي أو أمني حقيقي.
وهكذا، تتحول المدرسة من مكان للأمان إلى مساحة مفتوحة للاعتداء، إذا غابت الرقابة.
⸻
لماذا يصمت الأطفال ؟
الطفل لا يصمت لأنه “قوي” أو “نسي”.. يصمت لأنه: لا يفهم ما حدث.. يشعر بالخجل والذنب.. يظن أن الكلام سيغضب أهله..يخاف من تهديد المتحرش.. تعلم منذ صغره ألا يرفض الكبار.
الأخطر أن الطفل قد يمرّ بصدمة كاملة.. دون أن يظهر عليه أي أثر خارجي.
⸻
رأي د. إيناس عبد العزيز: “الحماية تبدأ من البيت… لا من المدرسة”
تركّز د. إيناس على أن 80% من الوقاية الحقيقية تبدأ بكيفية تربية الطفل وتوعيته، وليس فقط بالكاميرات أو العقوبات.
وفيما أهم الدروس والنصائح الهامة لتعليم الطفل كيف يحمي نفسه من التحرش :
أولًا: تعليم الطفل حدود جسده
قد يبدو الأمر بسيطًا، لكنه أساس الحماية، حيث يجب أن يعرف الطفل أن جسمه له وحده، لا أحد يلمسه في المناطق الخاصة مهما كانت الصفة، اللمسة غير المريحة يجب إيقافها فورًا، الصراخ مباح… والهرب مسموح… والرفض حق أصيل.
ثانيًا: لغة واضحة لا تحتمل اللبس
الطفل لا يفهم الكلمات المبهمة. يجب أن نقول له بشكل مباشر:“أي حد يطلب يشوف جسمك… قول لأ وصوّت”.
•“أي حد يلمسك تحت الهدوم… اجري فورًا”.. “لو حد قالك ما تحكيش… تعالى قولي فورًا”.
ثالثًا: إلغاء ثقافة الطاعة العمياء
كثير من الأسر تربي الطفل على عبارة: “اسمع الكلام… ما تعليش صوتك”..وهذا بالضبط ما يحتاجه المتحرش.
يجب أن يتربى الطفل على الاعتراض المهذب، ورفض ما يزعجه، وقول “لا” لأي شخص مهما كانت مكانته.
رابعًا: فحص الطفل نفسيًا عند أي علامة
حسب د. إيناس، أكثر العلامات شيوعًا بعد التحرش:
التبول الليلي- النوم المتقطع- الانطواء-العدوانية-الخوف من الذهاب للمدرسة- التعلق المبالغ بالأم.. هذه ليست “دلعا” بل صرخة غير مباشرة.
خامسًا: الحوار اليومي
10 دقائق يوميًا للحديث مع الطفل عن يومه كافية لكشف أي خطر مبكرًا.. فالطفل إذا لم يجد مساحة آمنة للبوح… لن يتكلم أبدًا.
⸻
رؤية اللواء أشرف عبد العزيز: “الخطر الحقيقي يبدأ حين نترك المؤسسة بلا رقابة”
يرى اللواء أشرف أن المشكلة ليست في المباني بل في غياب الانضباط الأمني داخل المؤسسات التعليمية.
وفيما يلي أهم التعليمات الأمنية التي يجب اتخاذه داخل المؤسسة التعليمية:
أولًا: فحص العاملين بدقة
•لا يجوز توظيف أي سائق، عامل، أو فرد خدمة دون سجل جنائي واضح.
•إجراء مقابلات نفسية إلزامية.
•تدريب العاملين على عدم الاقتراب من الأطفال بأي صورة خارج التعليمات.
ثانيًا: مراقبة الحركة داخل المدرسة
•كاميرات في الممرات، السلالم، مداخل الحمامات، غرف الأنشطة.
•عدم السماح بدخول أي شخص إلى مناطق الأطفال دون تصريح.
•إغلاق الغرف غير المستخدمة.
ثالثًا: باص المدرسة… أخطر مساحة
أغلب الاعتداءات تحدث في الطريق.. لذلك يجبوجود مايلي:
•وجود مشرفة داخل الباص.
•منع جلوس الأطفال بجوار السائق.
•تركيب كاميرا داخلية.
•تسجيل خروج ودخول الأطفال بالأسم.
رابعًا: ثقافة الإبلاغ
يقول اللواء أشرف:“أخطر نقطة في الجريمة أن أهل الطفل يخافون من الفضيحة، فيتركون المجرم يتحرك بحرية لقتل ضحية جديدة.”
البلاغ ليس خيارًا… بل واجبًا وطنيًا.
كيف نُعلّم الطفل أن يحتمي؟ (خلاصة عملية للأسرة):
جملة واحدة يجب أن يحفظها: “جسمي ملكي… وأي حد يلمسني غلط هقول فورًا.”
•تدريب الطفل على الصراخ القوي: “سيبني… مش عايز… النجدة!”
•لعب أدوار (Role Play) مع الطفل لكيفية الرفض والهروب.
•عدم إجبار الطفل على القبلات أو الأحضان من الأقارب.
•تعليم الطفل أن السر الوحيد المسموح به هو سر “الهدايا أو المفاجآت”، أما “سر اللمس” فممنوع.
•متابعة الطفل بعد المدرسة: “مين لعبت معاه؟ مين كلمك؟ حد ضايقك؟” .
•ملاحظة تغيّر سلوكه فورًا… فالطفل لا يكذب في الألم.. الأطفال ليسوا جدرانًا صامتة… ولا مخلوقات لا تشعر.
إنهم أضعف حلقات المجتمع… وإذا سقطت هذه الحلقة، انهارت كل السلاسل.
التحرش بالأطفال ليس جريمة عابرة، بل جريمة تمس أمن الأسرة، وكرامة المجتمع، ومستقبل الدولة كلها.
الحماية تبدأ من البيت، تُستكمل في المدرسة، وتُفرض بقوة القانون.
وما بين توعية د. إيناس، والرؤية الأمنية للواء أشرف.. تبقى الحقيقة واضحة: براءة الأطفال ليست قابلة للتعويض.. وأي تهاون فيها هو تهاون في الغد كله.




