كتبت: هبه سامي
فلسطين قضية قديمة حديثة وحرب قائمة حتى آخر الزمان ، أرض رباط إلى قيام الساعة لن تتحرر من استعمارها حتى ينزل نبي الله عيسى ليحررها في آخر حرب ستشهدها ، أرض سلام تشهد كل يوم على جرائم في حق الجسد و النفس والسلام …
اعتدنا رؤية الصهاينة يعيثون فيها الفساد تدعمهم دول أوروبية كثيرة و دول كبرى ، و لكن حين بدأت شعوب تلك البلدان فهم الحقيقة الكاملة و الوقوف مع القضية الفلسطينية ، تخاذلت شعوب عربية و حكام عن أخذ هذا الدور ، مكتفية بكلمتين ( ندين و نشجب ) ولا فارق يحدث يمكن أن نذكره ، و لنا هنا أن نتساءل كثيرا : ما كل هذا الصمت الذي أطبق على حكام بلداننا العربية لتأخذ موقفا صارما أمام ما يحدث مع جارتهم فلسطين ؟ و هل يوجد دور عربي بارز في الوقت الحالي لإنهاء الحرب القائمة و التي راح ضحاياها آلاف الفلسطينيون ؟
أكد الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية، في هذا الشأن قائلا أن الدول العربية كان لديها موقف موحد أمام ما يحدث في فلسطين وهو حل الدولتين ولكن كان هناك قضايا أخرى على الساحة جعلت القضية الفلسطينية بعيدا عن الصدارة ولكن عادت مرة أخرى بعد أحداث 7 أكتوبر حيث بدأت جميع الدول العربية تتحدث حول وقف الآلة العسكرية ودخول المساعدات والبدء في مسألة حل الدولتين لأن ما تقوم به إسرائيل ليس خلخلة فقط للأمن الفلسطيني ولكنه خلخلة أيضا للأمن القومي العربي وهذا جزء كبير من المشهد باعتقادي فيما يتعلق بالأمن في المنطقة العربية خاصة أن إسرائيل تقوم باستهداف أكثر من دولة في نفس الوقت كما يحدث في شمال إسرائيل على الحدود مع لبنان و مع سوريا أيضا إضافة إلى تهجير الفلسطينيين إلى خان يونس ومن ثم إلى مصر ، وكل هذا جعل الدول العربية تعلم أن المصلحة في المنطقة العربية تكمن في وقف الآلية العسكرية الإسرائيلية والعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل حل الدولتين و كان هذا أبرز ما قامت به الدول العربية في هذا الوقت من أجل وقف التصعيد في الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني .
انضم إلينا أيضا الكاتب الصحفي و المحلل السياسي أحمد رفعت الذي علق على ما يحدث في فلسطين قائلا :
بعد خرق إسرائيل للهدنة المتفق عليها لإيقاف الحرب بين الطرفين ، و إعلانها أمام العالم لمخططاتها جنوب البلاد ، لن تستخدم إسرائيل حماس ذريعة لإحكام قبضتها على قطاع غزة بالتهجير القسري لمن تبقى من الفلسطينيين إلى وسط القطاع ثم جنوبه ثم إلى رفح تمهيدا لدخولهم الأراضي المصرية ، و تبقى الدولة الفلسطينية أولى بأن يدخل قطاع غزة تحت حكمها بعد كلمة الرئيس الفلسطيني بتولي أمر القطاع و ضمه لباقي أراضي الدولة الفلسطينية التي قالها ردا على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو بشأن قلقه حول الأوضاع الأمنية و السياسية في القطاع بعد الحرب ، وأن إسرائيل لم تتوقف عن الانتهاكات حتى قبل ٧ أكتوبر في العدوان اليومي و المتكرر بصورة دائمة في الضفة الغربية، حيث شهد هذا العام و العام الماضي آلاف الجرحى و الشهداء فضلا عن آلاف أشجار الزيتون التي اقتلعت واعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وسرقة منازلهم وأراضيهم وكل هذا يندرج تحت مخطط إسرائيلي معلن منذ 100 عام ، فنحن الآن أمام قرابة 2,000,000 فلسطيني من سكان غزة في كارثة وليس أمام الشعب الفلسطيني سوى الصمود و التمسك بقضيتهم و حرية أرضهم وتحطيم أحلام إسرائيل و آمالها في إخلاء القطاع من أهله ..
و حين تحدثنا مع أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية جامعة القاهرة دكتور إكرام بدر الدين ، أنه بعد انحسار شعبية بايدن الأمريكية و الأوروبية ، برأيك من الرئيس الأمريكي القادم الذي سيدعم أكثر القضية الفلسطينية و إنهاء هذا الصراع في المنطقة العربية ؟
قال لنا : دعيني أخبرك أن العلاقة بين واشنطن وإسرائيل هي علاقة إستراتيجية وقوية جدا وهذا بصرف النظر عن شخص الرئيس الأمريكي والحزب الذي ينتمي إليه ، و سبب هذه العلاقة المتينة أن أحد مرتكزات السياسة للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط هي أمن إسرائيل ، فعندما تبحثين عن مرتكزات أمريكا في المنطقة العربية ستجدين ثلاثة نقاط أساسية أولها وأهمها هو أمن إسرائيل والبترول وحماية الحركة والمرور في الممرات المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط كما تفعل الآن في مضيق عدن الذي يهدده الحوثيون بضرب السفن و الناقلات التي تذهب لإسرائيل مرورا به ، ولا بد أن نأخذ في الاعتبار أن السياسة الأمريكية تتسم بالطابع المؤسسي أي أنها ترسم من جانب مؤسسات بعينها تكون لها استمرارية وثبات بصرف النظر عن أشخاص بعينهم لأنها استراتيجية لا تتغير بتغير شخص الرئيس ، سواء كان الرئيس من الديمقراطيين أو جاء من الجمهوريين فلن تتغير السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط عن حماية أمن إسرائيل ، لهذا سنجد الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد إسرائيل بشكل كامل في عدوانها على غزة، وأن هناك تطابق تام بين التوجهات السياسية للدولتين حتى وإن كانت لغة الولايات المتحدة أصبحت أقل حدة في الآونة الأخيرة ولكن تبقى الاستراتيجية نفسها و موقفها ثابت تجاه حماية أمن إسرائيل ، وكان هذا التأكيد واضحا منذ البدء بالمساعدات الاقتصادية لدعم إسرائيل التي تدهورت اقتصاديا بسبب الحرب وتوقف السياحة واستدعاء القطاع المدني في الخدمة العسكرية وتأثر البورصة أيضا ، وكل هذه العوامل شكلت ضغطا كبيرا على إسرائيل ، هذا بالإضافة إلى الطائرات العسكرية و المساعدات العسكرية حيث رأينا طائرة نقل عسكرية تحمل أحدث الأسلحة والذخائر بما فيها الأنواع المحرمة دوليا في الحروب إضافة إلى إرسال حاملات الطائرات ومضادات الصواريخ و المدمرات في البحر الأبيض المتوسط ، كما قامت بدعمها سياسيا و دبلوماسيا حيث رأينا مجلس الأمن لم يتمكن من اتخاذ أي قرار يدين إسرائيل و عدوانها على غزة نظرا لاستخدامها حق الڤيتو و كانت تعرقل كل القرارات التي تقف بجانب فلسطين بدعم دول غربية أخرى ، و عدم الالتفات للقوانين الدولية و الإنسانية التي تدين هذا العدوان الوحشي الذي يدّعي الدفاع عن النفس بمنطق مغلوط و معايير مزدوجة ، إن الموقف الأمريكي لن يكون بجانب دولة فلسطين يوما ، فالاستراتيجية السياسية تبقى ثابتة و في حال فوز رئيس من الحزب الجمهوري مثلا ، ستتغير طرق الدعم الدبلوماسي و الاقتصادي و العسكري دون أن تغير الولايات المتحدة موقفها من الوقوف على أمن إسرائيل في المنطقة العربية…
انضم إلينا ختاما الدكتور محمد سليم أستاذ القانون الجنائي، لتأكيد بعض الحقائق و الذي تحدثنا معه حول تعدد الروايات الرسمية بأن إسرائيل التي صنعت حماس و دعمتها بقوة ضد حركة فتح التابعة للسلطة الشرعية الفلسطينية لتقسيم فلسطين و منع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، هي الآن من تسعى للقضاء عليهم و تحطيم الأنفاق و إغراقها بمياه البحر التي ستدمر البنية التحتية للقطاع من جانب ، و على جانب آخر تحدث مسؤولون عسكريون سابقا عن خطط مستقبلية بالاتفاق مع حماس على هذه الحرب لتحقيق فكرة النزوح و إخلاء سكان القطاع و إجبارهم على الفرار إلى أرض مصر ، هل يعتبر الفلسطينيون كتائب القسام التابعة لحركة حماس ، جيش يدافع عن الدولة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي و هو خير شاهد على العصر ؟ أم حركة منقلبة على صانعيها و الحرب خدعة ؟
و هل ترى انقلاب أمريكا على إسرائيل الآن أمر حقيقي أم هو استراتيجية جديدة لإعادة نظريات السلام في المنطقة و التي سقطت عن الولايات المتحدة و مجلس الأمن بعد اندلاع الحرب الأخيرة في فلسطين ؟
هناك روايات كثيرة بالفعل تتحدث عن خيانة حماس و أخرى تنفي ، و لكننا هنا لسنا بصدد الحديث عن التشكيك في حماس و هي إحدى الفصائل الفلسطينية المقاومة للاحتلال في الوقت الحالي ، فهو أمر لا يعلمه إلا الله ثم قليل من الساسة على الساحة هناك ، و لكن ما نريد ذكره بصوت عال الآن هو أن هناك حدث جلل و حرب ضروس على أرض غزة جنوب فلسطين بغرض إخلاء الفلسطينيين منها إلى أرض مصر ، حتى تكون فلسطين بأكملها دولة لإسرائيل ، و لن يستطيعوا فعل ذلك لأن الله مؤيد لمن يُحارب الآن من الفلسطينيين الذين هم الآن جميعا على قلب رجل واحد ، يُحاربون على أرضهم ببسالة و يستشهدون من أجلها و تسيل دماؤهم لتختلط بترابها و من الواجب علينا تأييد هؤلاء الأحرار البواسل الذي يدافعون بشراسة عن أرضهم ..
و بشأن الحديث عن أمريكا و إسرائيل ، من السذاجة أن نعتقد أن هاتان المنظومتان قد تفترقان أو ينقلب أحدهما على الآخر ، كل ما في الأمر أنهما فقدا مصداقيتهما عن السلام بمعايير مزدوجة ، حيث كان التطور التكنولوجي و الإعلامي هنا خير شاهد و دليل على كل جرائم الحرب هذه التي رآها العالم أجمع و دوّنها التاريخ في صفحاته ، و أن الأحاديث الأمريكية للإعلام في هذا الشأن هي حيلة دبلوماسية لجذب التعاطف و كسب مزيد من الوقت لتقليل الضغوط حول استمرار هذه المجازر بحق الشعب الفلسطيني…
أخيرا و ليس آخرًا يا فلسطين ، لن يُغلق التحقيق فيما يحدث على أرض فلسطين ، سيكتب التاريخ روايات حقيقية عن كل الظلم و الاستبداد الذي تعرض له الشعب الفلسطيني ومازال ، و ستُكتب روايات أخرى زائفة عما يحدث الآن .
انتصرت المقاومة وأن استشهد الآلاف أمام كاميرات العالم ، و سقط ساسة الدول الكبرى التي تدّعي السلام و هم أكثر من يتمنى أن تمتلئ الأرض نقاطا متوهجة هنا و هناك ، لا يسكن صوت الموت فيها لمصالح جغرافية و دبلوماسية و اقتصادية أيضا ، و تبقى الأيام ما بعد الحروب تكشف الكثير من الحقائق عن قُرب ، هوية الصديق و العدو في هذه القضية التي لم يُكتب لها الخلاص بعد .