أخبار
البشعة ليست مجرد قطعة حديد هي عقلية كاملة تختصر العدالة في لحظة وترهن الكرامة بلمسة نار

انتشر خلال الساعات الماضية مقطع مصوَّر لواقعة أغرب من الخيال، زوج يشك في سلوك زوجته، فيأخذها إلى “شيخ” ليُجرّب عليها البشعة.. اختبار النار البدائي الذي كنا نظنه دفن مع الزمن.
لكن المشهد لم ينتهِ داخل الغرفة، بل خرج إلى السوشيال ميديا وتحول إلى تريند يهز المجتمع، يعيد فتح ملف كان يجب أن يظل مغلقًا.. هل يمكن أن يحكم الحديد الساخن في زمن الدولة والقانون ؟ .
في لحظة واحدة، وجد الناس أنفسهم أمام مشهد ينتمي إلى قرون قديمة، لكنه يحدث الآ أمام كاميرات الهواتف.
ما هي البشعة ؟ وكيف تعمل “محكمة النار” ؟
البشعة هي ممارسة تعتمد على تسخين قطعة حديد حتى درجة الاحمرار ثم إجبار المتَّهم—سواء رجل أو امرأة—على لعق الحديد الساخن.
النتيجة هي الحكم: إذا لم يحترق لسانه → بريءـ إذا احترق → مُدان.. إنها محكمة بدائية تلغي العقل، وتختصر العدالة في لحظة ألم.
كان “البشّاع” شخصية معروفة في سيناء والصعيد وبعض المناطق القبلية قديمًا، يحسم منازعات الشرف والسرقة والنزاعات القبلية.
اليوم.. البشعة لا تزال موجودة كـ ذاكرة ثقافية مظلمة، لكنها عادت فجأة لتصبح حدثًا عامًا.
لماذا يقولون إن لسان البريء لا يحترق؟
الفكرة الشعبية القديمة قائمة على أن البريء يكون مطمئنًا → يسيل ريقه → الريق يعزل اللسان جزءًا من الثانية، المذنب يكون خائفًا → جفاف الفم → يلتصق الحديد باللسان ويحترق فورًا .. لكن العلم له رأي آخر .
أشهر الأماكن التي انتشرت فيها البشعة
1.سيناء.. حيث كان “البشّاع” يحتل مكانة أشبه بالقاضي الشعبي في قضايا الشرف والسرقة.
2.الصعيد.. استخدمت في قضايا العرض والاتهامات الخطيرة قبل انتشار المحاكم الرسمية.
3.بعض القرى الريفية.. كانت تظهر عند النزاعات العائلية المشتعلة، خصوصًا داخل القضايا المتعلقة بالسمعة.
اليوم. الدولة أقوى، القانون أقوى.. لكن العقلية القديمة أحيانًا تعود تحت ضغط الخوف والعار.
رأي اللواء أشرف — التحليل الأمني والقانوني

قال اللواء أشرف الخبير الأمني، إن ما حدث ليس مجرد واقعة زوجية، بل إنذار أمني واجتماعي يجب التعامل معه بجدية:
1. البشعة جريمة مكتملة الأركان
إجبار شخص على ملامسة معدن محمى هو:
•تعذيب بدني
•إيذاء عمدي
•تهديد بالقوة
•وقد يرقى إلى الشروع في قتل إذا ترتب على الفعل إصابة خطيرة.
القانون المصري واضح لا يجوز لأي شخص أن ينتزع اعترافًا أو “يثبت براءة” خارج أجهزة الدولة.
2. الواقعة تكشف انفلاتًا فكريًا
عندما يلجأ إنسان لنار بدل القانون، فهذا يعني:
•اهتزاز الثقة في المؤسسات
•ضعف الوعي
•انتشار الدجالين
•وضع “السمعة” فوق “الحياة”
3. السوشيال ميديا لم تعد منصة..بل ساحة إعدام
يقول اللواء أشرف: “اليوم لم نعد نحاكم بالنار… بل نحاكم بالإشاعات. البشعة القديمة حرق لسان، والبشعة الحديثة تحرق سمعة.”
الرأي العلمي – د. إيناس عبد العزيز: لماذا يحترق اللسان دائمًا ؟

توضح د. إيناس، خبيرة الأمن الرقمي والعلوم السلوكية، أن فكرة “عدم احتراق لسان البريء” خرافة تمامًا:
1. الحديد المحمّى يحرق أي جلد يلامسه
عند 400–600 درجة مئوية:
•لا توجد أعصاب بشرية تتحمّل
•لا يوجد لعاب يمكنه حماية
•لا يوجد “صدق” أو “كذب” يتحكم في الفيزياء
2. ما الذي يحدث فعليًا ؟
قد يخرج شخص دون حرق لعدة أسباب:
•البشّاع نفسه يقلّل حرارة الحديد في حالات معينة
•يلمس اللسان لمسة خاطفة أقل من عُشر الثانية
•قد يكون الحديد ساخنًا من الخارج وباردًا من الداخل
•وقد يتم تجهيز اللسان بمواد مرطبة (عرفيًا أو خداعًا)
3. الضغط النفسي يفعل المستحيل
الخوف قد يجعل الشخص:
•يمد لسانه بسرعة
•يلامس الحديد لحظة
•يظن أنه “نجا”
لكن العلم واضح:
“لا يوجد لسان لا يحترق. يوجد فقط بشّاع يعرف أين يضع النار.”.. لم تكن البشعة “عدالة”.
كانت طقسًا من الخوف، محكمةً بلا عقل، تجربة مرعبة دفعت كثيرين إلى الاعتراف بما لم يفعلوا… فقط لينجوا من لسان محروق يُلازمهم العمر كله.
والأخطر أن فكرة الحكم بالنار – قديمًا أو حديثًا – تظل قائمة إذا لم ندافع عن مفهوم الدولة والقانون.
البشعة ليست مجرد قطعة حديد.. هي عقلية كاملة.. عقلية تختصر العدالة في لحظة وترهن الكرامة بلمسة نار.
والسؤال الذي يجب أن نواجه به أنفسنا الآن: هل نحن أمام واقعة غريبة… أم أمام مجتمع يعيد تشغيل ذاكرة كان يجب أن تُطفأ منذ زمن ؟ .
