بقلم: د ياسر جعفر
نعم ! أفضل شئ في الوجود الإمام العادل، لان الإمام العادل يملئ الأرض عدلا وإذا انتشر العدل بالأرض عم الخير في كل مكان وساد الخير أرجاء الأرض !؟ لان العدل أساس الملك، ففي الحديث النبوي الشريف( *ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم الصَّائمُ حتَّى يُفطرَ والإمامُ العادلُ ودعوةُ المظلومِ يرفعُها اللهُ فوق الغمامِ وتُفتَّحُ لها أبوابَ السَّماءِ ويقولُ الرَّبُّ وعزَّتي لأنصُرنَّك ولو بعد حينٍ*
الراوي : أبو هريرة | المحدث : المنذري | المصدر : الترغيب والترهيب | الصفحة أو الرقم : 2/121 | خلاصة حكم المحدث : [إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] | التخريج : أخرجه الترمذي (3598) واللفظ له، وابن ماجه (1752)، وأحمد (8030).
الإمامُ العادلُ” المُرادُ به: صاحِبُ الولايةِ العُظمى، ويلتحِقُ به كلُّ مَن وَلِيَ شيئًا مِن أُمورِ المُسلمينَ فعدَلَ فيه، واتَّبَعَ أمْرَ اللهِ بوضْعِ كلِّ شَيءٍ في مَوضِعِه مِن غيرِ إفراطٍ ولا تَفريطٍ، كما قال اللهُ تَعَالى عنهم: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]، وقدَّمَ الإمامَ العادلَ في الذِّكرِ؛ لعُمومِ النَّفعِ به، واستجابةُ دَعوتِه ناتِجةٌ عن مُخالفتِه الهوى، وصَبرِه عن تَنفيذِ ما تَدْعوه إليه شَهواتُه وطمَعُه وغضَبُه، مع قُدرتِه على بُلوغِ غَرضِه مِن ذلك؛ فإنَّ الإمامَ العادلَ دَعَتْه الدُّنيا كلُّها إلى نفْسِها، فقال: إنِّي أخاف اللهَ رَبَّ العالَمينَ، وهذا أنفَعُ الخَلْقِ لعِبادِ اللهِ؛ فإنَّه إذا صلَحَ صلَحَت الرَّعيَّةُ كلُّها.!!
وفي رواية (
*سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ*)
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 660 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
التخريج : أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031
*الحاكِمُ العادِلُ في رَعيَّتِه*، الذي يُحافِظ على حُقوقِهم، ويَرعَى مَصالِحَهم، ويَحكُمُ فيهم بشَريعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فيُقيمُ مَصالِحَ الدِّينِ والدُّنيا.!! فالحاكم العادل يملأ الارض نورا بعدله والعكس كذالك ؟؟!
ولنا في الفاروق عمر أسوة حسنه في العدل !!
فقد روى البخاريُّ وغيرُه (3700) عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: *سمعتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ يقول: “لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ، لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ العِرَاقِ, لاَ يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا*” هذا همٌّ واحدٌ, من هموم الحاكمِ العادلِ أميرِ المؤمنين رضي الله عنه, وذلك قبل أن يموت بأربعة أيام, بخطةٍ اقتصاديةٍ مدروسة, مِن شأنها أنْ تجعل أرامل أهل العراق, لا يحتجن إلى أحدٍ بعده أبداً.
أيُّ عدالةٍ ورفاهيَّةٍ وطُمأنينةٍ, عاشها الْمُسلمون وغيرُهم إبَّان حُكمه, بل وصلت العدالةُ الْعُمريَّةُ, إلى أرقى صورها في تاريخ البشريَّة, يوم أنْ أطلق قولته المشهورة: ” *لو عثرت بغلةٌ في العراق: لخشيت أن يسألني الله تعالى: لِمَ لَمْ تُسَوِّ لها الطريق*؟!” هذا هي صفات الحاكم العادل الذي يتقي الله سبحانه وتعالى!؟
ويوم أن صاح في أميره على مصر- عمروِ بنِ العاص-: ” *متى استعبدتم الناسَ وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا*؟!” من اقوي المقولات في جوهر العدل وللأسف الشديد نحن نعيش في زمن الاستعباد والسخرية والعبودية والذل والاستخفاف بعباد الله !؟ والتلذذ باستحقار عباد الله وكأننا في زمن الجاهلية ! ونسوا أو تناسوا أن الله ملك الملك وهو القادر والقاهر ! إنَّ هذه القوانين العادلةَ الصادقة: كانت غريبةً على الناس قبل ذلك، فلم يعرف التاريخ حاكماً قبل عمرِ بنِ الخطاب, جرى على لسانه مثلَ هذا الكلام, ومَضَتْ سياستُه مثل هذا التمام, ولكنه دينُ الإسلام, وتربيةُ الرسول صلّى الله عليه وسلم لصحابته الكرام, على العدالةِ والعزةِ والكرامة.
ولم تمضِ أربعةُ أيامٍ بعد ما قال: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ، لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ العِرَاقِ, لاَ يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا. حَتَّى طعنه أبو لؤلؤةَ الْمجوسيّ.
وكان عبداً للمُغيرةِ بنِ شعبةَ رضي الله عنه, ومع كفره وخبثِه, فهو يُظهر العداوةَ والحقد على أميرِ الْمُؤمنين عمرَ رضي الله عنه, فقد روى ابن سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ, عن الزُّهْرِيِّ رحمه الله قَالَ:” مَرَّ الْعَبْدُ بعمرَ رضي الله عنه فَقَالَ: أَلَمْ أُحَدَّثْ أَنَّكَ تَقُولُ: لَوْ أَشَاءُ لَصَنَعْتُ رَحىً تَطْحَنُ بِالرِّيحِ؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ عَابِسًا فَقَالَ: لَأَصْنَعَنَّ لَكَ رَحىً يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَا, فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى مَنْ مَعَهُ فَقَالَ: تَوَعَّدَنِي الْعَبْدُ” [فتح الباري: 7/ 63].
وهنا وقفةٌ -يا عباد الله! هذا العبدُ الكافرُ الْمَجوسيّ, يُخاطب أقوى وأعظم حاكمٍ في وقته, الذي هزّتْ جُيُوشُه كسرى وقيصر, يُخاطبه بهذا الأسلوب الدنيء, وبلهجةٍ يَفهمُ منها التهديد بالقتل, ومع هذا كلِّه, لم يأمر بحبسه وسجنه, ولا بنفيه وطرده, بل ولا بزجره وسبِّه, حيثُ لم يثبت في حقِّه ما يُوجبُ ذلك, وإنْ كان عمرُ يكرهه ولا يُحبه, بل وعلم منه أنَّه يتمنى قتله, فأيُّ عدالةٍ أعظم من هذا, وأيُّ حضارةٍ توازي هذه الحضارة.
إنها العدالة الإسلامية, والسياسةُ العُمرية: أنه لا يُسجَن أحدٌ إلا بجريمةٍ واضحة, وخيانةٍ مُتعمَّدة, لا بتهمٍ باطلة, وأفعالٍ مُحْتَمَلة.
وبالعدل تصاغ العلاقة في الدولة المسلمة بين الحاكم والمحكوم، وبه تساس الرعية، وتُحفظ حقوقُها وتُرعى كرامتُها، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء:58]، ويقول: ( *وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*) [المائدة:42].
رواه البخاري ومسلم. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ قال النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا” رواه مسلم. وغير ذلك من الآيات والأحاديث في وجوب العدل وفضله وأثره في الأمة.
كما وردت أحاديث كثيرة تحذر من الظلم، وتبين عقوبة الظالمين، وأثر الظلم بالأمة من ذلك، منها ما رواه مَعْقِلَ بنَ يسارٍ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: “لَيْسَ مِنْ وَالِي أُمَّةٍ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ، لَا يَعْدِلُ فِيهَا، إِلَّا كَبَّهُ اللهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ” رواه أحمد وهو صحيح، وعَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: “مَا مِنْ أَمِيرِ عَشَرَةٍ إِلَّا أَتَى اللهَ مَغْلُولًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُطْلِقُهُ إِلَّا الْعَدْلُ” رواه أحمد وصححه شاكر لغيره.
العدل مقوم أساس من مقومات الدولة المسلمة، وهو سبيل الأمن، والاستقرار السياسي، والاطمئنان بين الناس، وقد اعتبره الثعالبي في كتابه أدب الملوك: عُدْة الملك، وأساس السياسة، بل هو السياسة الكبرى والفضيلة العظمى، ما وجد العدل في قوم إلا سعدوا، وما فقد عند آخرين إلا شقُوا.
والعدل خلق العظماء، وصفة الأتقياء، ودأب الصالحين، وطريق الفلاح للمؤمنين في الدنيا ويوم الدين، تحلَّى به الأنبياء والصالحون، والقادة والمربون، وكان أعظمهم في ذلك، وأكثرهم قدراً ونصيباً سيد العالمين، وخاتم الرسل أجمعين، محمد بن عبد الله عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم.
فالعدل خلقٌ من أخلاقه، وصفةٌ من صفاته، عدلَ في تعامله مع ربه -جل وعلا-، وعدلَ في تعامله مع نفسه، وعدلَ في تعامله مع الآخرين، من قريب أو بعيد، ومن صاحب أو صديق، ومن موافق أو مخالف، حتى العدو المكابر، له نصيب من عدله -صلى الله عليه وسلم-.
وكيف لا يعدل مَن خوطب بقول واضح مبين: ( *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ*) [المائدة:8]، فكان يمتثل أمر الله -عز وجل- في كل شأن من شؤونه، مع أصحابه وأعدائه، آخذاً بالعدل مع الجميع.
تعالوا -أيها الإخوة- نتأمل هذا الموقف الفذَّ الذي تجلى فيه عدله وإنصافه حينما مكَّن أحدَ المسلمين من أن يستوفي حقه منه، وبذل نفسه الكريمة للقود -صلوات ربي وسلامه عليه-! روى ابن إسحاق وغيره، وصححه الألباني، أَنّ رَسُولَ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَدّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي يَدِهِ قِدْحٌ يُعَدّلُ بِهِ الْقَوْمَ، فَمَرّ بِسَوَادِ بْنِ غَزِيّةَ -رضي الله عنه- وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنْ الصّفّ، فطَعَنَ في بَطْنِهِ بالقِدْحِ -أي ضربه بعصا السهم بلطف- وَقَالَ: “اسْتَوِ يَا سَوَادُ”، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ: أَوْجَعْتنِي! وَقَدْ بَعَثَك اللّهُ بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ. فَأَقِدْنِي.
فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَطْنِهِ وَقَالَ: “اسْتَقِدْ”، قَالَ: فَاعْتَنَقَ سَوَادٌ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَبّلَ بَطْنَهُ.. فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوَادُ؟” قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! حَضَرَ مَا تَرَى، فَأَرَدْت أَنْ يَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ بِك أَنْ يَمَسّ جِلْدِي جِلْدَك، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِخَيْرِ.
وسرى هذا النهج في أمة الإسلام، وزخر تاريخها به ومن الذين نقلت عنهم قصص العدل فاروق الأمة عُمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- حتى سمي الخليفة العادل؛ لأنه يرى أن استصلاح ما فسد من حال الرعية لا يكون إلا بالعدل، وبما دلت عليه الشريعة، وليس باللجوء إلى ألوان القهر والإذلال وقوانين الطوارئ!.!!
ذلك أن الظلم مِن أشدِّ الأدواء تحطيماً لشخصية المجتمع، وسحقاً لكرامته، وتعطيلاً لإمكاناته؛ فالمجتمع المهان يصبح غير قادرٍ على العطاء والإبداع، ومن ثم تتوقف عجلة نموه وتطوره، وتتراجع مسيرة التنمية فيه، قال الماوردي -رحمه الله تعالى- في القواعد التي تصلُح فيها الأمة: ” *ومنها العَدْلٌ الشَامِلٌ الذي يَدْعُو إلَى الْأُلْفَةِ، وَيَبْعَثُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَتَتَعَمَّرُ بِهِ الْبِلَادُ، وَتَنْمُو بِهِ الْأَمْوَالُ، وَيَكْثُرُ مَعَهُ النَّسْلُ، وَيَأْمَنُ بِهِ السُّلْطَانُ*
فَقَدْ قَالَ الْمَرْزُبَانُ لِعُمَرَ، حِينَ رَآهُ وَقَدْ نَامَ مُتَبَذِّلًا: “عَدَلْت فَأَمِنْت فَنِمْت!” وَلَيْسَ شَيْءٌ أَسْرَعُ فِي خَرَابِ الْأَرْضِ، وَلَا أَفْسَدُ لِضَمَائِرِ الْخَلْقِ مِنْ الْجَوْرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَقِفُ عَلَى حَدٍّ، وَلَا يَنْتَهِي إلَى غَايَةٍ، وَلِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ قِسْطٌ مِنْ الْفَسَادِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ
وورث هذه الصفة الحميدة من ذرية عمر -رضي الله عنه- حفيده عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، وسار بسيرته، وهذا شيء منها: ذكر السيوطي -رحمه الله- في تاريخ الخلفاء عن يحيى الغساني قال: “لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل، قدمتها فوجدتها من أكثر البلاد سرقةً، فكتبت إليه أعلمه حال البلد وأسأله: أن آخذ الناس بالظِنَّة، وأضربهم على التهمة؟ أو آخذهم بالبينة، وما جرت عليه السنة؟ فكتب إليَّ عمر أن آخذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة، فإن لم يصلحهم الحق، فلا أصلحهم الله!”.
قال يحيى: ” *ففعلت ذلك، فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد، وأقلها سرقة! وكتب إليه بعض عماله أن مدينتهم قد خربت، وطلب منه مالاً لترميمها؛ فرد عليه أنْ حصِّنْها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم، فإنه مرمَّتها*”.
وكتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبد العزيز: “إن أهل خراسان قومٌ ساءت رعيتهم، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن في ذلك”. فكتب إليه عمر: “أما بعد: *فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم، وأنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت؛ بل يصلحهم العدل والحق، فابسط ذلك فيهم.